سورة ق - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}
{إِذْ} منصوب بأقرب، وساغ ذلك لأنّ المعاني تعمل في الظرف متقدّمة ومتأخرة، والمعنى: أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شيء أخفى منه، وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به، إيذاناً بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه؛ وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات؟ وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك: وهي ما في كتبة الملكين وحفظهما، وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد. وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة الله بعمله. من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجري فيما لا يعنيك لا تستحي من الله تعالى ولا منهما» ويجوز أن يكون تلقي الملكين بياناً للقرب، يعني: ونحن قريبون منه مطلعون على أحواله مهيمنون عليه، إذ حفظتنا وكتبتنا موكلون به، والتلقي: التلقن بالحفظ والكتبة. والقعيد: القاعد، كالجليس بمعنى الجالس، وتقديره: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين، فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه، كقوله:
... كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي *** بَرِيَّا.........
{رَقِيبٌ} ملك يرقب عمله {عَتِيدٌ} حاضر، واختلف فيما يكتب الملكان، فقيل: يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقيل: لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر به. ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» وقيل: إنّ الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه. وقرئ: {ما يلفظ} على البناء للمفعول.


{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}
لما ذكر إنكارهم البعث واحتج عليهم بوصف قدرته وعلمه، أعلمهم أن ما أنكروه وجحدوه هم لاقوه عن قريب عند موتهم وعند قيام الساعة، ونبه على اقتراب ذلك بأن عبر عنه بلفظ الماضي. وهو قوله: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ} {وَنُفِخَ فِي الصور}، وسكرة الموت: شدّته الذاهبة بالعقل. والباء في بالحق للتعدية، يعني: وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله. أو حقيقة الأمر وجلية الحال: من سعادة الميت وشقاوته. وقيل: الحق الذي خلق له الإنسان، أن كل نفس ذائقة الموت. ويجوز أن تكون الباء مثلها في قوله: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] أي وجاءت ملتبسة بالحق، أي: بحقيقة الأمر. أو بالحكمة والغرض الصحيح، كقوله تعالى: {خَلَقَ السموات والأرض بالحق} [الأنعام: 73] وقرأ أبو بكر وابن مسعود رضي الله عنهما {سكرة الحق بالموت} على إضافة السكرة إلى الحق والدلالة على أنها السكرة التي كتبت على الإنسان وأوجبت له، وأنها حكمة. والباء للتعدية؛ لأنها سبب زهوق الروح لشدتها، أو لأنّ الموت يعقبها؛ فكأنها جاءت به. ويجوز أن يكون المعنى: جاءت ومعها الموت.
وقيل سكرة الحق سكرة الله، أضيفت إليه تفظيعاً لشأنها وتهويلاً. وقرئ: {سكرات الموت} {ذَلِكَ} إشارة إلى الموت، والخطاب للإنسان في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} [الحجر: 26] على طريق الالتفات. أو إلى الحق والخطاب للفاجر {تَحِيدُ} تنفر وتهرب.
وعن بعضهم: أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحكاه لصالح بن كيسان فقال: والله ما سنّ عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب، هو للكافر. ثم حكاهما للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس فقال: أخالفهما جميعاً: هو للبر والفاجر {ذَلِكَ يَوْمَ الوعيد} على تقدير حذف المضاف، أي: وقت ذلك يوم الوعيد، والإشارة إلى مصدر نفخ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ملكان: أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله. أو ملك واحد جامع بين الأمرين، كأنه قيل: معها ملك يسوقها ويشهد عليها؛ ومحل {مَّعَهَا سَائِقٌ} النصب على الحال من كل لتعرّفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة. قرئ: {لقد كنت} عنكِ غطائكِ فبصركِ، بالكسر على خطاب النفس، أي: يقال لها لقد كنتِ. جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئاً؛ فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق. ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته: حديداً لتيقظه.


{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)}
{وَقَالَ قَرِينُهُ} هو الشيطان الذي قيض له في قوله: {نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] يشهد له قوله تعالى: {قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق: 27]. {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} هذا شيء لديّ وفي ملكتي عتيد لجهنم. والمعنى: أن ملكاً يسوقه وآخر يشهد عليه، وشيطاناً مقروناً به، يقول: قد أعتدته لجهنم وهيئته لها بإغوائي وإضلالي.
فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت {مَا} موصوفة، فعتيد: صفة لها: وإن جعلتها موصولة، فهو بدل، أو خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8